الأربعاء، 31 يناير 2018

بقلم/ فؤاد زاديكى....ماسح الجوخ

ماسح الجوخ
بقلم/ فؤاد زاديكى
لا شك أنّ الكثيرين منّا سمع بكلمة فلان يمسح جوخ أو هو (ماسح جوخ) لمن يحاول بأسلوب الكذب و المراوغة البعيدة عن الحقيقة من أجل الحصول على بعض المكاسب أو لكسب ودّ بعض المتنفّذين أو المسؤولين و هذه الظاهرة كثيرة الشيوع في المجتمعات التي تنعدم فيها الأنظمة الصالحة و القوانين العادلة, بحيث يلهث صاحب الحق وراء حقّه لوقت طويل للمطالبة به و قد يحصل عليه و قد لا يحصل, إنّها ظاهرة تفشّت في المجتمعات العربية بشكل غير معقول و الغاية منها التمليق و التدليس و التزليف و الكذب على النفس و الآخرين من أجل إرضاء الشخص الذي لنا عنده حاجة أو نرغب في مساعدة منه و دعونا نفهم ما هو المعنى اللغوي القاموسي لهذا التعبير و كذلك سبب ظهور هذا المصطلح, فالمعنى اللغوي والاصطلاحي لمسح الجوخ:
الجوخ لغةً: هو نوع من أنواع الصوف، والواحدة منه جوخة، وأصل الكلمة تركي، حيث كان يطلق ماسح الجوخ على من يساعد السلطان في إعداد وتنظيف ولبس الأحذية (الجوخدار)، ثم توسّع المعنى ليشمل من يقومون بإسدال الستائر وفتحها في السراي وقصور الوزراء.
و مسح الجوخ اصطلاحاً هو: المداهنة، والخضوع للغير لغرض تحقيق هدف ما، والتزلف والنفاق لشخص ذو مكانة مرموقة لأجل الوصول إلى غرض معين.
ويقال إن أوّل من استخدم نظام (مسح الجوخ) هو ميكافيللي (نيكولو ميكافيلي، سياسي ودبلوماسي إيطالي. من أشهر كتاب فترة النهضة وهو أيضًا مؤرخ وفيلسوف، ويشتهر بكونه أب العلوم السياسية الحديثة حيث وضع نظرية الغاية تبرر الوسيلة). أما عن هذه الظاهرة فقد انتشرت بشكل كبير في المجتمعات العربية لدرجة حتى أننا أصبحنا نشاهدها في كل مكان تقريباً. و من المحزن أنّ (مسح الجوخ) صار فنًّا له من يتقنه و من تعوّد على ممارسته, فانعدمت لديه كل قيم الشعور الإنساني و فقد قيمة وجوده بمعناها المتعارف عليه, ليصير آلة أو ذيلًا أو تابعًا لأهواء مصالحه الذاتية بشتى الطرق و الوسائل و الأساليب, مهما كلّفه من قلّة قيمته و فقدانه لاحترامه في الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه.و بقدر ما يكثر المجاملون أو "مسّيحو الجوخ" حولنا، بقدر ما تكثر مسمياتهم في الشارع العربي فيقال عن واحدهم: "مبيض طناجر" و"ملوفك"، و"هزيز دنب"، و"مرائي"، و"منافق"، و"لاعق أحذية" و"متزلف".
و تقترن غالباً شخصية المجامل بصفات موازية، فيقال عنه أيضاً "السحّيب" و"الحَربوق" و "البندوق" و"الفنّيص"، و"الانتهازي" و"الوصولي"، و"المصلحجي". الخ

و في هذه الظاهرة المريضة فعلًا في مجتمعاتنا نظمت بيتين من الشعر قلت فيهما:
**
يا (ماسِحَ الجوخِ) هل أغراكَ مَلْمَسُهُ
أم أنّ فعلَكَ تَمليقٌ تَلَمُّسُهُ؟
**
تَبًّا لِ(ماسحِ جوخٍ) في محاولةٍ
شخصٌ ينافقُ تَدليسًا تحَمُّسُهُ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق